٩- من كردستان الى الجواهري تحية حب ووفاء
ابراهيم الخياطد. جوان عبدالقادر
ونحن نستذكر الذكرى العشرون لوفاة عملاق الشعر العربي الحديث محمد مهدي الجواهري الذي عُرف بمواقفه الجريئة، وتبنيه لأفكار العدالة الاجتماعية والمساواة، لابد لنا تحديدا نحن الشعب الكردي ان نقف وقفة وفاء وتقدير لهذا الشاعر الذي اتخذ الجواهري موقفـًا ثابتًا من القضية الكردية عبر عنه في العديد من المقالات والقصائد التي نشرت في الصحف التي عمل فيها في بغداد. وقد لازمت القضية الشاعر، ترافقه أينما حلَّ؛ في وطنه وفي غربته، لذا لم يكن اعتمار الشاعر للطاقية (المنقوش عليها اسم كردستان) اعتباطًا، أو من قبيل الصدفة، وإنما كانت هذه الطاقية تحمل رمزية تبني قضية شعب، آمن بها من كان يعتمرها، لاسيما وأن هذه الطاقية كانت هدية من صديق الشاعر المقرب، الزعيم الكردي/ الرئيس العراقي السابق (جلال الطالباني) فقد أهداه الطالباني الطاقية معلقـًا بقوله:
"هدية من العربي المستكرد جلال الطالباني، إلى الكردي المستعرب محمد مهدي الجواهري".
ووقوف الجواهري مع القضية الكردية، كان نابعًا من إيمان حقيقي للشاعر بهذه القضية، فالقضية الكردية شأنها شأن بقية قضايا شعوب المنطقة التي كانت تعاني من الظلم والاضطهاد، لذلك فالشاعر مثلما وقف في قصائده مع القضية الفلسطينية وناصرها، فقد وقف مع القضية الكردية كذلك، بغض النظر عن أطرافها.
ومثلما نفـذت قضيـة الشعب الكردي إلى فكر وشعر الجواهري، وأثبتت حضورها في دواوينه، كـان لمثقفي الكـرد من سياسييـن وأدبـاء حضور بين ثنايا قصائده، فقد كان لسعة موهبـة الشاعـر، وسمـو ثقافتـه، ورحابة أفقـه، دور كبير بأن ينجو من ضيق؛ قاد الكثيرين - وإن كانوا من الطبقـة المثقفة - إلى التعصـب، بحيـث أغفلـوا حقـوق الآخريـن، بينما الجواهـري ظـل ثابتًا على مبادئه، ينشد العدل والمساواة لكل المظلومين في كل بقاع العالم، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الطائفية أو المذهبية...
فهو عربي، شيعي، عراقي، ومع ذلك تجاوز حدود ذلك كله، إلى أن يصبح اهتماما إنسانيا، يشغل نفسه بهموم ومشكلات الإنسانية جمعاء، وتحتاج إلى شيء من الجهد وكثير من التأمل لتدرك أن إبداعه إبمان لا يتزعزع بحتمية انتصار المناضلين المثابرين، وبهم أُغرم طول حياته المديدة، وجعل غاية إبداعه _ طول عمره كله _ تمجيد بطولات الشعوب وتضحياتها، وسما بحبه الحريةَ فوق الطوائف والأعراف والمذاهب والعقائد، وانتمى إلى الإنسانية نفسها.
وختامًا لا بد أن نذكر أن الجواهري هو أول شاعر عربي أشار صراحة للقضية الكردية وتبناها، وتغنى بالثورات الكردية وزعمائها، لذا من النادر أن تجد كرديًا يجهل الجواهري، ومن يزور كردستان سيرى أن الجواهري هو الحاضر رغم الغيــــــاب، حيث تقام له مهرجانات سنوية، وقد أقيم له أكثر من نصب تذكاري في كل محافظات الإقليم، واُطلق اسمه على العديد من الأحياء والمدارس، اعتزازًا وتكريمًا ووفاءً له، ولما قدمه من مواقف جريئة، سيظل بها الرمز الذي يجسد وحدة الشعب العراقي بكل قومياته، وفئاته، وطوائفـــــــه، فما قدمه الجواهري في دواوينه، عجز السياسيون العراقيـــــــون عن تقديمه. فقد كان شخصية ذات انتماءات متعددة.
* اكاديمية، تحمل دكتوراه عن الجواهري من جامعة القاهرة- 2015