٣٣- شاعر اخترقت قصائده اسوارالطغاة
ليث الحمداني
على مدى سنوات عمره الحافل بالعطاء وحب العراق والمنفى كانت قصائد الجواهري الخالد تخترق كل الاسوار والقيود التي يصنعها الحكام لتستقر كلماته في عقول وقلوب العراقيين الذين احبوه فتحيي في مشاعرهم المصادرة الامل، الحب، والثورة..
نهاية الاربعينات كان الجواهري خارجا من حصاره في الوطن بعد رائعته (ايه عميد الدار..) قاصدا دمشق ليشدو مؤبنا عدنان المالكي الذي اتهمت الحكومة العراقية يومها بالمشاركة في التخطيط لاغتياله..
خلفت غاشية الخنوع ورائي، واتيت اقبس جمرة الشهداء
ومن خلف اسوار نظام الحكم الملكي الذي انصفه الجواهري فيما بعد (1) يلتقط احد ابرز محرري الصحافة العراقية يومها، ابراهيم علي، من اذاعة دمشق فتأخذ طريقها للنشر في جريدة (الزمان) البغدادية حيث يعمل لتتخاطفها الايادي ساعة الصدور وتنتشر القصيدة كالنار في الهشيم وتصبح على كل لسان، ضربة صحفية لصحفي محترف يذكره كل من عرفه من صحفيي ذلك الزمان و(جرة اذن) لاغير لصاحب الجريدة النائب في برلمانات العهد الملكي توفيق السمعاني، تخيلوا عهدا يكتفي فيه الحاكم (بجرة اذن) لنائب يمتلك جريدة نشرت قصيدة قال فيها الجواهري الكبير(2) :
اضحية الحلف الهجين بشارة، لك في تكشف سوءة الهجناءِ
اسطورة الاحلاف سوف يمجها، التاريخ مثل خرافة الحلفاء..
قالوا تعاقدنا فقلت هنئتم، بقران فرط خنا بفرط غباء
في الستينات وفي مطلع العهد الذي مجده الجواهري الخالد بروائعه وتغنى بصانعه (جيش العراق) يرحل الجواهري مضطرا للمنفى، فالعسكر لايحتملون (الرأي الاخر) وفي الطريق يعبر الشاعر عن مرارته من الضيم الذي لحقه من (الثوار) فيشدو في حفل تكريم الاخطل الصغير :
ابشارة وبايما شكوى اهزك ياحبيبي
شكوى القريب الى القريب ام الغريب الى الغريب
هل صكّ سمعك انني، من رافدي بلا نصيب
وتنشر القصيدة في بغداد وتعيش كلمات الجواهري مع الناس رغم (العسكر)..
بعد انقلاب الثامن من شباط الدموي في عام 1963 ورغم كل القمع وتقييد الحريات تصل قصيدة الجواهري التي اهداها للصحفي اللبناني امين الاعور، التي شتم فيها الحكام الدمويين مخترقة الاسوار وتوزع كمنشور سري حكمه الاعدام.
في الثمانينات وبعد سنوات من السعي المحموم لسلطة البعث للاساءة للشاعر وتاريخه الوطني ترافقها محاولات لترغيبه بالعودة، تختفي دواوينه من المكتبات (منع غير رسمي) فتباع كما المحظورات بالسر وتخلو مناهج الدراسة من قصائده و...... و..... فيكتب رائعته (يابن الثمانين) وكان للجواهري في الوطن دوما (رواته) و(مريديه) الذين يحرصون على تلقي جديده على الدوام،بعضهم كان يحتفظ بالجديد لنفسه خوفا (وليس الخوف سبة في ظل نظام لايعرف الرحمه ويحكم بالتقرير والوشاية) وحده الراحل الكبير صلاح خالص، تسلمها من الجواهري وبجرأته المعهودة دفعها للنشر في مجلته (الثقافة) وصدر العدد ونفذت نسخه خلال ساعات بل ان البعض باعها باضعاف ثمنها قال لي صديقي المكتبي حسن ضايع لم استطع ان احتفظ بنسخة لنفسي فقد بيعت النسخ بساعة واحدة.
كان الجواهري في قلوب الجميع.. اذكر ان احد مستشاري السوء اقترح على نقيب الصحفيين العراقيين يومها، الراحل سعد قاسم حمودي، فصل الجواهري من النقابة مع من فصل من الشيوعيين واليساريين الذين غادروا العراق بعد انهيار تجربة الجبهة، يومها دخل الصحفي القديم وائل السعيدي، وكان مخمورا (والخمر تفتح عقدة اللسان) ووجه حديثه لسكرتير النقابة قائلا :ستجعلون من انفسكم مهزلة هل هناك نقابة في العالم تفصل مؤسسها ؟.
بعد كل تلك السنوات تصفحت قبل ايام موقع نقابة الصحفيين على النت علي اجد صفحة مكرسة للجواهري تحمل تاريخه الصحفي فلم اجد. يبدو ان اختزال التاريخ مازال يعشعش في العقول الصغيرة التي لاتدرك اهمية التاريخ !!.
* كاتب واعلامي
1/ الجواهري جدل الشعر والحياة د. عبدالحسين شعبان الصفحة (151)
2/ كما حدثنا زميل معاصر لتلك الحادثة..